التفسير الميسر سورة النــور
التفسير الميسر سورة النــور
سُورَةٌ
أَنْزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنْزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (1) الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ
مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ
اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ
عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (2) الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا
زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ
مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (3) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ
ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ
الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا
فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ
يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ
شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ
لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7) وَيَدْرَأُ عَنْهَا
الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ
الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ
الصَّادِقِينَ (9) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ
اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (10)
سورة النور
مدنية
[مِنْ مَقَاصِدِ السُّورَةِ]
التركيز على قضية العفاف والستر وصفاء المجتمع المسلم وتحصينه من أسباب الفاحشة
وكيد المنافقين في نشرها.
[التَّفْسِيرُ]
1 - هذه سورة أنزلناها، وأوجبنا العمل بأحكامها، وأنزلنا فيها آيات بينات؛ رجاء أن
تتذكروا ما فيها من الأحكام فتعملوا به.
2 - الزانية والزاني البكْران فاجلدوا كل واحد منهما مئة جلدة، ولا تأخذكم بهما
رِقَّة ورحمة بحيث لا تقيمون عليهما الحد أو تخففونه عنهما، إن كنتم تؤمنون بالله
واليوم الآخر، وليحضر إقامة الحد عليهما جمع من المؤمنين إمعانًا في التشهير بهما،
وردعًا لهما ولغيرهما.
3 - لتفظيع الزنى ذكر الله أن الَّذي اعتاده لا يرغب في الزواج إلا من زانية مثله
أو مشركة لا تتوقى الزنى مع عدم جواز نكاحها، والذي اعتادت الزنى لا ترغب في
الزواج إلا من زان مثلها أو مشرك لا يتوقاه مع حرمة زواجها منه، وحُرِّم نكاح
الزانية وإنكاح الزاني على المؤمنين.
4 - والذين يرمون بالفاحشة العفائف من النساء (والأعفّاء من الرجال مثلهن)، ثم لم
يأتوا بأربعة شهود على ما رموهم به من الفاحشة فاجلدوهم -أيها الحكام- ثمانين
جلدة، ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا، وأولئك الذين يرمون العفائف هم الخارجون عن
طاعة الله.
5 - إلا الذين تابوا إلى الله بعد الَّذي أقدموا عليه من ذلك، وأصلحوا أعمالهم فإن
الله يقبل توبتهم وشهادتهم، إن الله غفور لمن تاب من عباده رحيم بهم.
6 - والرجال الذين يرمون زوجاتهم وليس لهم شهود غير أنفسهم يشهدون على صحة ما
رموهن به؛ يشهد الواحد منهم أربع شهادات بالله: إنه لصادق فيما رمى به زوجته من
الزنى.
7 - ثم في شهادته الخامسة يزيد الدعاء على نفسه باستحقاق اللعنة إن كان كاذبًا فيما
رماها به.
8 - فتستحق هي بذلك أن تُحَد حد الزنى، ويدفع عنها هذا الحد أن تشهد هي أربع
شهادات بالله: إنه لكاذب فيما رماها به.
9 - ثم في شهادتها الخامسة تزيد الدعاء على نفسها بغضب الله عليها إن كان صادقًا
فيما رماها به.
10 - ولولا تفضل الله عليكم -أيها الناس- ورحمته بكم، وإنه تواب على من تاب من
عباده، حكيم في تدبيره وشرعه لعاجلكم بالعقوبة على ذنوبكم، ولفضحكم بها.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• التمهيد للحديث عن الأمور العظام بما يؤذن بعظمها.
• الزاني يفقد الاحترام والرحمة في المجتمع المسلم.
• الحصار الاجتماعي على الزناة وسيلة لتحصين المجتمع منهم، ووسيلة لردعهم عن
الزنى.
• تنويع عقوبة القاذف إلى عقوبة مادية (الحد)، ومعنوية (رد شهادته، والحكم عليه
بالفسق) دليل على خطورة هذا الفعل.
• لا يثبت الزنى إلا ببينة، وادعاؤه دونها قذف.
(1/350)
إِنَّ
الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ
بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ
وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ (11) لَوْلَا إِذْ
سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا
وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ (12) لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ
شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمُ
الْكَاذِبُونَ (13) وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا
وَالْآخِرَةِ لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (14) إِذْ
تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ
بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ (15)
وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ
بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ (16) يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَنْ
تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (17) وَيُبَيِّنُ اللَّهُ
لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (18) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ
تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي
الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ
(20)
11 - إن الذين
جاؤوا بالبُهْتَان (وهو رمي أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - بالفاحشة) جماعة
تنتسب إليكم -أيها المؤمنون- لا تظنوا أن ما افتروه شر لكم، بل هو خير لما فيه من
الثواب والتمحيص للمؤمنين، ولما يصحبه من تبرئة أم المؤمنين، لكل واحد شارك في رميها
بالفاحشة جزاء ما اكتسبه من الإثم لتكلّمه بالإفك، والذي تحمّل معظم ذلك ببدئه به
له عذاب عظيم، والمقصود به رأس المنافقين عبد الله بن بن ابن سَلُول.
12 - هلَّا إذ سمع المؤمنون والمؤمنات هذا الإفك العظيم ظنوا سلامة من افتُرِي
عليه ذلك من إخوانهم المؤمنين، وقالوا: هذا كذب واضح.
13 - هلَّا أتى المفترون على أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنهما - على فريتهم
العظيمة بأربعة شهود يشهدون على صحة ما نسبوا إليها، فإن لم يأتوا بأربعة شهود على
ذلك -ولن يأتوا بهم أبدًا- فهُم كاذبون في حكم الله.
14 - ولولا تفضّل الله عليكم -أيها المؤمنون- ورحمته بكم حيث لم يعاجلكم بالعقوبة،
وتاب على من تاب منكم؛ لأصابكم عذاب عظيم بسبب ما خضتم فيه من الكذب والافتراء على
أم المؤمنين.
15 - إذ يرويه بعضكم عن بعض، وتتناقلونه بأفواهكم مع بطلانه؛ فما لكم به علم،
وتظنون أن ذلك سهل هين، وهو عند الله عظيم؛ لما فيه من الكذب ورمي بريء.
16 - وهلَّا إذ سمعتم هذا الإفك قلتم: ما يصح لنا أن نتكلم بهذا الأمر الشنيع،
تنزيهًا لك ربنا، هذا الَّذي رموا به أم المؤمنين كذب عظيم.
17 - يذكِّركم الله وينصحكم أن تعودوا لمثل هذا الإفك فترموا بريئًا بالفاحشة إن
كنتم مؤمنين بالله.
18 - ويوضّح الله لكم الآيات المشتملة على أحكامه ومواعظه، والله عليم بأفعالكم،
لا يخفى عليه منها شيء، وسيجازيكم عليها، حكيم في تدبيره وشرعه.
19 - إن الذين يحبون أن تنتشر المنكرات -ومنها القذف بالزنى- في المؤمنين، لهم
عذاب موجع في الدنيا بإقامة حد القذف عليهم، ولهم في الآخرة عذاب النار، والله
يعلم كذبهم، وما يؤول إليه أمر عباده، ويعلم مصالحهم، وأنتم لا تعلمون ذلك.
20 - ولولا تفضّل الله عليكم -أيها الواقعون في الإفك - ورحمته بكم، ولولا أن الله
رؤوف رحيم بكم، لعاجلكم بالعقوبة.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• تركيز المنافقين على هدم مراكز الثقة في المجتمع المسلم بإشاعة الاتهامات
الباطلة.
• المنافقون قد يستدرجون بعض المؤمنين لمشاركتهم في أعمالهم.
• تكريم أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنهما - بتبرئتها من فوق سبع سماوات.
• ضرورة التثبت تجاه الشائعات.
(1/351)
يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ
خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ
وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ
أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (21)
وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي
الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا
وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ
رَحِيمٌ (22) إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ
الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
(23) يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ
بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (24) يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ
الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ (25)
الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ
لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا
يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ (26) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا
وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ
(27)
21 - يا أيها
الذين آمنوا بالله وعملوا بشرعه، لا تتبعوا طرق الشيطان في تزيينه للباطل، ومن
يتبع طرقه فإنه يأمر بالقبيح من الأفعال والأقوال، وبما ينكره الشرع، ولولا فضل
الله عليكم -أيها المؤمنون- ما طهر منكم من أحد أبدًا بالتوبة إن تاب، ولكن الله يطهّر
من يشاء بقبول توبته، والله سميع لأقوالكم، عليم بأعمالكم، لا يخفى عليه منها شيء،
وسيجازيكم عليها.
22 - ولا يحلف أهل الفضل في الدين وأصحاب السعة في المال على ترك إعطاء أقربائهم
المحتاجين -لما هم عليه من الفقر، من المهاجرين في سبيل الله- لذنب ارتكبوه، وليعفوا
عنهم، وليصفحوا عنهم، ألا تحبون أن يغفر الله لكم ذنوبكم إذا عفوتم عنهم وصفحتم؟!
والله غفور لمن تاب من عباده، رحيم بهم، فليتأسّ به عباده. نزلت هذه الآية في أبي
بكر الصديق - رضي الله عنه - لما حلف على ترك الإنفاق على مِسْطَح لمشاركته في
الإفك.
23 - إن الذين يرمون العفائف الغافلات عن الفاحشة التي لا يفطن لها المؤمنات،
طُردوا من رحمة الله في الدنيا والآخرة، ولهم عذاب عظيم في الآخرة.
24 - يحصل لهم ذلك العذاب يوم القيامة يوم تشهد عليهم ألسنتهم بما نطقوا به من
الباطل، وتشهد عليهم أيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون.
25 - في ذلك اليوم يوفّيهم الله جزاءهم بعدل، ويعلمون أن الله سبحانه هو الحق، فكل
ما يصدر عنه من خبر أو وعد أو وعيد حق واضح لا مرية فيه.
26 - كلّ خبيث من الرجال والنساء والأقوال والأفعال مناسب وموافق لما هو خبيث، وكل
طيب من ذلك مناسب وموافق لما هو طيب، أولئك الطيبون والطيبات مُبَرَّؤون مما يقوله
عنهم الخبيثون والخبيثات، لهم مغفرة من الله يغفر بها ذنوبهم، ولهم رزق كريم وهو
الجنّة.
ولما كان الاطلاع على العورات سببًا لإثارة الشهوة المؤدي إلى ارتكاب الزنى
المذكور في بداية السورة، أمر الله بالاستئذان على البيوت؛ حماية للنظر من الاطلاع
على العورات، فقال:
27 - يا أيها الذين آمنوا بالله وعملوا بشرعه، لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتَّى
تستأذنوا ساكنيها في الدخول عليهم، وتسلّموا عليهم بأن تقولوا في السلام
والاستئذان: السلام عليكم أأدخل؟ ذلك الاستئذان الَّذي أمرتم به خير لكم من الدخول
فجأة، لعلكم تتذكرون ما أمرتم به فتمتثلوه.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• إغراءات الشيطان ووساوسه داعية إلى ارتكاب المعاصي، فليحذرها المؤمن.
• التوفيق للتوبة والعمل الصالح من الله لا من العبد.
• العفو والصفح عن المسيء سبب لغفران الذنوب.
• قذف العفائف من كبائر الذنوب.
• مشروعية الاستئذان لحماية النظر، والحفاظ على حرمة البيوت.
(1/352)
فَإِنْ
لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ
قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
عَلِيمٌ (28) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ
مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا
تَكْتُمُونَ (29) قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا
فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)
وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ
وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ
بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا
لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ
أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي
إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ
أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا
يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا
إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31)
28 - فإن لم
تجدوا في تلك البيوت أحدًا فلا تدخلوها حتَّى يؤذن لكم في دخولها ممن يملك الإذن،
وإن قال لكم أربابها: (ارجعوا) فارجعوا ولا تدخلوها، فإنه أطهر لكم عند الله،
والله بما تعملون عليم لا يخفى عليه شيء من أعمالكم، وسيجازيكم عليها.
29 - ليس عليكم حرج أن تدخلوا دون استئذان بيوتًا عامة لا تختص بأحد، أعدّت
للانتفاع العام؛ كالمكتبات والحوانيت في الأسواق، والله يعلم ما تظهرون من أعمالكم
وأحوالكم وما تخفون، لا يخفى عليه شيء من ذلك، وسيجازيكم عليه.
ولما كان النظر بريدًا إلى الزنى، أمر الله بغض البصر للوقاية منه، فقال:
30 - قل -أيها الرسول- للمؤمنين يكفّوا من أبصارهم عن النظر إلى ما لا يحل لهم من
النساء والعورات، ويحفظوا فروجهم من الوقوع في المحرم، ومن كشفها، ذلك الكف عن
النظر إلى ما حرمه الله أطهر لهم عند الله، إن الله خبير بما يصنعون، لا يخفى عليه
شيء منه، وسيجازيهم عليه.
31 - وقل للمؤمنات يكففن من أبصارهن عن النظر إلى ما لا يحلّ لهن النظر إليه من
العورات، ويحفظن فروجهن بالبعد عن الفاحشة وبالستر، ولا يُظْهِرن زينتهن للأجانب
إلا ما ظهر منها مما لا يمكن إخفاؤه كالثياب، وليضربن بأغطيتهنّ على فتحات أعلى
ثيابهن ليسترن شعورهن ووجوههن وأعناقهن، ولا يُظْهِرن زينتهنّ الخفية إلا
لأزواجهنّ، أو آبائهن، أو آباء أزواجهن، أو أبنائهنّ، أو أبناء أزواجهنّ، أو
إخوانهنّ، أو أبناء إخوانهنّ، أو أبناء أخواتهنّ، أو نسائهنّ المأمونات، مسلمات
كنّ أو كافرات، أو ما ملكن من العبيد ذكورًا أو إناثًا، أو التابعين الذين لا غرض
لهم في النساء، أو الأطفال الذين لم يطّلعوا على عورات النساء لصغرهم، ولا يضرب
النساء بأرجلهن قصد أن يُعْلَم ما يسترن من زينتهنّ مثل الخلخال وما شابهه، وتوبوا
إلى الله جميعًا -أيها المؤمنون- مما يحصل لكم من النظر وغيره؛ رجاء أن تفوزوا
بالمطلوب، وتنجوا من المرهوب.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• جواز دخول المباني العامة دون استئذان.
• وجوب غض البصر على الرجال والنساء عما لا يحلّ لهم.
• وجوب الحجاب على المرأة.
• منع استخدام وسائل الإثارة.
(1/353)
وَأَنْكِحُوا
الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ
يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
(32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ
اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ
مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ
إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ
يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33)
وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ
خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ (34) اللَّهُ نُورُ
السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ
الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ
مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ
زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي
اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ
وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ
وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36)
ولما كانت
العنوسة سببًا من أسباب انتشار الزنى، أمر الله بإعانة الأيامى على النِّكَاح،
فقال:
32 - وزوّجوا -أيها المؤمنون- الرجال الذين لا زوجات لهم، والحرائر اللاتي لا
أزواج لهنّ، وزوّجوا المؤمنين من عبيدكم ومن إمائكم، إن يكونوا فقراء يغنهم الله
من فضله الواسع، والله واسع الرزق، لا ينقص رزقه إغناء أحد، عليم بأحوال عباده.
ولما أمر الله المؤمنين بتزويج الأيامى، أمر الأيم أن يستعفّ إذا لم يجد ما يتزوج
به، فقال:
33 - وليطلب العفة عن زنى الذين لا يستطيعون الزواج لفقرهم إلى أن يغنيهم الله من فضله
الواسع، والذين يطلبون مكاتبة أسيادهم من العبيد على دفع مال ليتحرّروا، فعلى
أسيادهم أن يقبلوا منهم ذلك إن علموا فيهم القدرة على الأداء والصلاح في الدين،
وعليهم أن يعطوهم من مال الله الَّذي أعطاهم بأن يحطّوا عنهم جزءًا مما كاتبوهم
على دفعه، لا تجبروا إماءكم على الزنى بحثًا عن المال -كما فعل عبد الله بن أبيّ
بأمَتَيْه حين طلبتا التعفف والبعد عن الفاحشة- لتطلبوا ما تكسبه بفرجها، ومن
يجبرهنّ منكم على ذلك فإن الله من بعد الإجبار لهن غفور لذنبهنّ، رحيم بهن؛ لأنهنّ
مُكرهات، والإثم على مُكْرِههنّ.
34 - ولقد أنزلنا إليكم -أيها الناس- آيات واضحات لا لَبس فيها، وأنزلنا إليكم
مثلًا من الذين مضوا من قبلكم من المؤمنين والكافرين، وأنزلنا عليكم موعظة يتعظ
بها الذين يتقون ربهم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
35 - الله نور السماوات والأرض، وهادي من فيهما، مثل نوره سبحانه في قلب المؤمن
كَكُوَّة في حائط غير نافذة، فيها مصباح، المصباح في زجاجة متوهجة كأنها كوكب مضيء
كالدر، يوقد المصباح من زيت شجرة مباركة، هي شجرة الزيتون، الشجرة لا يسترها عن
الشمس شيء ; لا في الصباح ولا في المساء، يكاد زيتها لصفائه يضيء، ولو لم تمسسه
نار، فكيف إذا مسّته؟! نور المصباح على نور الزجاجة، وهكذا قلب المؤمن إذا أشرق
فيه نور الهداية، والله يوفق لاتباع القرآن من يشاء من عباده، ويبين الله الأشياء
بأشباهها بضربه للأمثال, والله بكل شيء عليم، لا يخفى عليه شيء.
36 - يوقد هذا المصباح في مساجد أمر الله أن يعلو قدرها وبناؤها، ويذكر فيها اسمه
بالأذان والذكر والصلاة، يُصَلِّي فيها ابتغاء مرضاة الله أول النهار وآخره.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• الله عز وجل ضيق أسباب الرق (بالحرب) ووسع أسباب العتق وحض عليه .. التخلص من
الرِّق عن طريق المكاتبة وإعانة الرقيق بالمال ليعتق حتَّى لا يشكل الرقيق طبقة
مُسْتَرْذَلة تمتهن الفاحشة.
• قلب المؤمن نيِّر بنور الفطرة، ونور الهداية الربانية.
• المساجد بيوت الله في الأرض أنشأها ليعبد فيها، فيجب إبعادها عن الأقذار الحسية
والمعنوية.
• من أسماء الله الحسنى (النور) وهو يتضمن صفة النور له سبحانه.
(1/354)
رِجَالٌ
لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ
وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ
وَالْأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ
مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38) وَالَّذِينَ
كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى
إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ
حِسَابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ
لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ
بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ
يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ (40) أَلَمْ تَرَ أَنَّ
اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ
كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ
(41) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (42)
أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ
يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ
السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ
وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ
(43)
37 - رجال لا
يلهيهم شراء ولا بيع عن ذكر الله سبحانه، والإتيان بالصلاة على أكمل وجه، وإعطاء
الزكاة لمصارفها، يخافون يوم القيامة، ذلك اليوم الَّذي تتقلب فيه القلوب بين
الطمع في النجاة من العذاب والخوف منه، وتتقلّب فيه الأبصار إلى أي ناحية تصير.
38 - عملوا ذلك ليثيبهم الله على أعمالهم أحسن ما عملوا، ويزيدهم من فضله جزاء
عليها، والله يرزق من يشاء بغير حساب على قدر أعمالهم، بل يعطيهم أضعاف ما عملوا.
39 - والذين كفروا بالله أعمالهم التي عملوها لا ثواب لها مثل السراب بمنخفض من
الأرض يراه العطشان فيظنّه ماءً، فيسير إليه حتَّى إذا جاءه ووقف عليه لم يجد
ماءً، وكذا الكافر يظن أن أعماله تنفعه حتَّى إذا مات وبُعِث لم يجد ثوابها، ووجد
ربه أمامه فوفّاه حساب عمله كاملًا، والله سريع الحساب.
40 - أو أعمالهم مثل ظلمات في بحر عميق، يعلوه موج، من فوق ذلك الموج موج آخر، من
فوقه سحاب يستر ما يهتدي به من النجوم، ظلمات متراكم بعضها فوق بعض، إذا أخرج من
وقع في هذه الظلمات يده لم يكد يبصرها من شدة الظلمة، وهكذا الكافر، فقد تراكمت
عليه ظلمات المجهل والشك والحيرة والطبع على قلبه، ومن لم يرزقه الله هدى من
الضلالة، وعلمًا بكتابه، فما له هدى يهتدي به، ولا كتاب يستنير به.
41 - ألم تعلم -أيها الرسول- أن الله يسبّح له من في السماوات، ويسبّح له من في
الأرض من مخلوقاته، وتسبّح له الطيور قد صفّت أجنحتها في الهواء، كل من تلك
المخلوقات علم الله صلاة من يصلّي منها كالإنسان، وتسبيح من يسئح منها كالطير،
والله عليم بما يفعلون، لا يخفى عليه من أفعالهم شيء.
42 - ولله وحده ملك السماوات وملك الأرض، وإليه وحده الرجوع يوم القيامة للحساب
والجزاء.
43 - ألم تعلم -أيها الرسول- أن الله يسوق سحابًا، ثم يضمّ أجزاء بعضه إلى بعض، ثم
يجعله متراكمًا يركب بعضه بعضًا، فترى المطر يخرج من داخل السحاب، وينزّل من جهة
السماء من السحاب المتكاثفة فيها التي تشبه الجبال في عظمتها قطعًا متجمدة من
الماء كالحصى، فيصيب بذلك البَرَد من يشاء من عباده، ويصرفه عمن يشاء منهم، يكاد ضوء
برق السحاب من شدة لمعانه يذهب بالأبصار.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• موازنة المؤمن بين المشاغل الدنيوية والأعمال الأخروية أمر لازم.
• بطلان عمل الكافر لفقد شرط الإيمان.
• أن الكافر نشاز من مخلوقات الله المسبِّحة المطيعة.
• جميع مراحل المطر من خلق الله وتقديره.
(1/355)
يُقَلِّبُ
اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي
الْأَبْصَارِ (44) وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ
يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ
يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ
شَيْءٍ قَدِيرٌ (45) لَقَدْ أَنْزَلْنَا آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَاللَّهُ يَهْدِي
مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (46) وَيَقُولُونَ آمَنَّا بِاللَّهِ
وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ
وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ
لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ
لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ
أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ
بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ
إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا
وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ (52)
وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ
قُلْ لَا تُقْسِمُوا طَاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ
(53)
44 - يُعَاقِب
الله بين الليل والنهار طولًا وقصرًا، ومجيئًا وذهابًا، إن في ذلك المذكور من
الآيات من دلائل الربوبية عظة لأصحاب البصائر على قدرة الله ووحدانيته.
45 - والله خلق كل ما يدبّ على وجه الأرض من الحيوان من نطفة، فمنهم من يمشي على
بطنه زحفًا كالحيات، ومنهم من يمشي على رجلين كالإنسان والطير، ومنهم من يمشي على
أربع كالأنعام، يخلق الله ما يشاء مما ذكر ومما لم يذكر، إن الله على كل شيء قدير،
لا يعجزه شيء.
46 - لقد أنزلنا على محمد - صلى الله عليه وسلم - آيات واضحات لا لبس فيها، والله
يوفّق من يشاء إلى طريق مستقيم لا اعوجاج فيه، فيوصله ذلك الطريق إلى الجنّة.
47 - ويقول المنافقون: آمنّا بالله، وآمنّا بالرسول، وأطعنا الله، وأطعنا رسوله،
ثم تتولى طائفة منهم، فلا يطيعون الله ورسوله في الأمر بالجهاد في سبيل الله وغيره
بعد ما زعموه من الإيمان بالله ورسوله وطاعتهما، وما أولئك المتولّون عن طاعة الله
ورسوله بالمؤمنين وإن ادعوا أنهم مؤمنون.
48 - وإذا دعى هؤلاء المنافقون إلى الله، وإلى الرسول ليحكم الرسول بينهم فيما
يختصمون فيه، إذا هم معرضون عن حكمه لنفاقهم.
49 - وإن علموا أن الحق لهم، وأنه سيحكم لصالحهم يأتوا إليه منقادين خاضعين.
50 - أفي قلوب هؤلاء مرض لازم لها، أم شكّوا في أنَّه رسول الله، أم يخافون أن
يجور الله عليهم ورسوله في الحكم؟ ليس ذلك لشيء مما ذُكر، بل لعلة في أنفسهم بسبب
إعراضهم عن حكمه وعنادهم له.
ولما ذكر موقف المنافقين الرافض لحكم الله ورسوله ذكر موقف المؤمنين الراضي به،
فقال:
51 - إنما كان قول المؤمنين إذا دُعُوا إلى الله، هالى الرسول ليحكم بينهم أن
يقولوا: سمعنا قوله، وأطعنا أمره، وأولئك المتصفون بتلك الصفات هم الفائزون في
الدنيا والآخرة.
52 - ومن يطع الله ويطع رسوله، ويستسلم لحكمهما، ويَخَفْ ما تَجُرُّه المعاصي،
ويتّق عذاب الله بامتثال أمره، واجتناب نهيه، فأولئك وحدهم هم الفائزون بخيري
الدنيا والآخرة.
53 - وحلف المنافقون بالله أقصى أيمانهم المغلظة التي يستطيعون الحلف بها: لئن
أمرتهم بالخروج إلى الجهاد ليخرجُن، قل لهم -أيها الرسول-: لا تحلفوا، فكذبكم
معروف وطاعتكم المزعومة معروفة، والله خبير بما تعملون، لا يخفى عليه شيء من
أعمالكم مهما أخفيتموها.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• تنوّع المخلوقات دليل على قدرة الله.
• من صفات المنافقين الإعراض عن حكم الله إلا إن كان الحكم في صالحهم، ومن صفاتهم
مرض القلب والشك، وسوء الظن بالله.
• طاعة الله ورسوله والخوف من الله من أسباب الفوز في الدارين.
• الحلف على الكذب سلوك معروف عند المنافقين.
(1/356)
قُلْ
أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ
مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا
عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ
آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ
كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ
الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا
يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ
فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ
وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ
(57) يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ
أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ
وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ
وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى
بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
(58)
54 - قل -أيها
الرسول- لهؤلاء المنافقين: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول، في الظاهر والباطن، فإن
تتولوا عما أمرتم به من طاعتهما فإنما عليه هو ما كلّف به من التبليغ، وعليكم أنتم
ما كلّفتم به من الطاعة، والعمل بما جاء به، وإن تطيعوه بفعل ما أمركم بفعله
وبالكف عما نهاكم عنه تهتدوا إلى الحق، وليس على الرسول إلا البلاغ الواضح، فليس
عليه حملكم على الهداية، وإجباركم عليها.
55 - وعبد الله الذين آمنوا منكم بالله وعملوا الأعمال الصالحات، أن ينصرهم على
أعدائهم، ويجعلهم خلفاء في الأرض مثل ما جعل من قبلهم من المؤمنين خلفاء فيها،
ووعدهم أن يجعل دينهم الَّذي ارتضاه لهما -وهو دين الإسلام- مكينًا عزيزًا، ووعدهم
أن يُبَدِّلهم من بعد خوفهم أمانًا، يعبدونني وحدي، لا يشركون بي شيئًا، ومن كفر
بعد تلك النعم فأولئك هم الخارجون عن طاعة الله.
56 - وأدّوا الصلاة على أكمل وجه، وأعطوا زكاة أموالكم، وأطيعوا الرسول بفعل ما
أمركم به وترك ما نهاكم عنه؛ رجاء أن تنالوا رحمة الله.
57 - لا تظنّن -أيها الرسول- الذين كفروا بالله يفوتونني إذا أردت أن أنزل بهم
العذاب، ومأواهم يوم القيامة جهنم، وَلَسَاء مصير مَنْ جهنم مصيرهم.
ولما ذكر الله من قبلُ أحكامَ استئذان الأحرار البالغين، ذكر هنا أحكام استئذان
العبيد والأحرار غير البالغين، والأطفال إذا بلغوا، فقال:
58 - يا أيها الذين آمنوا بالله، وعملوا بما شرعه لهم، ليطلب منكم الإذن عبيدكم
وإماؤكم والأطفال الأحرار الذين لم يبلغوا سن الاحتلام في ثلاثة أوقات: من قبل
صلاة الصبح وقت إبدال ثياب النوم بثياب اليقظة، وفي وقت الظهيرة حين تخلعون ثيابكم
للقيلولة، وبعد صلاة العشاء؛ لأنه وقت نومكم وخلع ثياب اليقظة ولبس ثياب النوم،
هذه ثلاثة أوقات عورات لكم، لا يدخلون فيها عليكم إلا بعد إذن منكم، ليس عليكم حرج
في دخولهم دون استئذان، ولا عليهم هم حرج فيما عداها من الأوقات، هم كثيرو
التطواف، بعضكم يطوف على بعض، فيتعذّر منعهم من الدخول في كل وقت إلا باستئذان،
كما بيّن الله لكم أحكام الاستئذان يبيّن لكم الآيات الدالة على ما شرعه لكم من
أحكام، والله عليم بمصالح عباده، حكيم فيما يشرعه لهم من أحكام.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• اتباع الرسول - صلى الله عليه وسلم - علامة الاهتداء.
• على الداعية بذل الجهد في الدعوة، والنتائج بيد الله.
• الإيمان والعمل الصالح سبب التمكين في الأرض والأمن.
• تأديب العبيد والأطفال على الاستئذان في أوقات ظهور عورات الناس.
(1/357)
وَإِذَا
بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ
الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ وَاللَّهُ
عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ
نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ
مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ (60) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ
وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ
بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ
إِخْوَانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أَوْ
بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أَوْ
مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَأْكُلُوا
جَمِيعًا أَوْ أَشْتَاتًا فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى
أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً كَذَلِكَ
يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)
59 - وإذا بلغ
الأطفال منكم سن الاحتلام فليطلبوا الإذن عند الدخول على البيوت في كل الأوقات مثل
ما ذكر بشأن الكبار سابقًا، كما بيّن الله لكم أحكام الاستئذان يبيّن الله لكم
آياته، والله عليم بمصالح عباده، حكيم فيما يشرعه لهم.
60 - والعجائز اللاتي قعدن عن الحيض والحمل لكبرهن، اللاتي لا يطمعن في النِّكَاح
فليس عليهنّ إثم أن يضعن بعض ثيابهنّ كالرداء والقناع، غير مظهرات للزينة الخفية
التي أُمِرْن بسترها، وأن يتركن وضع تلك الثياب خير لهنّ من وضعها إمعانًا في
الستر والتعفف، والله سميع لأقوالكم، عليم بأفعالكم، لا يخفى عليه شيء من ذلك،
وسيجازيكم عليها.
61 - ليس على الأعمى الَّذي فقد بصره إثم؛ ولا على الأعرج إثم، ولا على المريض
إثم؛ إن تركوا ما لا يستطيعون القيام به من التكاليف كالجهاد في سبيل الله، وليس
عليكم -أيها المؤمنون- إثم في الأكل من بيوتكم، ومنها بيوت أبنائكم، ولا في الأكل
من بيوت آبائكم أو أمهاتكم أو إخوانكم أو أخواتكم أو أعمامكم أو عماتكم، أو
أخوالكم أو خالاتكم، أو ما وُكِّلتم على حفظه من البيوت مثل حارس البستان، ولا حرج
في الأكل من بيوت صديقكم لطيب نفسه عادة بذلك، ليس عليكم إثم أن تأكلوا مجتمعين أو
فُرَادَى، فإذا دخلتم بيوتًا مثل البيوت المذكورة وغيرها فسلّموا على من فيها بأن
تقولوا: السلام عليكم، فإن لم يكن فيها أحد فسلموا على أنفسكم بأن تقولوا: السلام
علينا وعلى عباد الله الصالحين، تحية من عند الله شرعها لكم مباركة؛ لِمَا تنشره
من المودة والألفة بينكم، طيبة تطيب بها نفس سامعها، بمثل هذا التبيين المتقدم في
السورة يبيّن الله الآيات رجاء أن تعقلوها، وتعملوا بما فيها.
[مِنْ فَوَائِدِ الآيَاتِ]
• جواز وضع العجائز بعض ثيابهنّ لانتفاء الريبة من ذلك.
• الاحتياط في الدين شأن المتقين.
• الأعذار سبب في تخفيف التكليف.
• المجتمع المسلم مجتمع التكافل والتآزر والتآخي.
(1/358)
وَهُوَ
الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ
أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62)
ولما ذكر الله الاستئذان عند الدخول ذكر الاستئذان
عند الانصراف، فقال:
62 - إنما المؤمنون الصادقون في إيمانهم هم الذين آمنوا بالله وآمنوا برسوله، وإذا
كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في أمر يجمعهم لمصلحة المسلمين، لم ينصرفوا
حتَّى يطلبوا منه الإذن في الانصراف، إن الذين يطلبون منك -أيها الرسول- الإذن عند
الانصراف أولئك الذين يؤمنون بالله، ويؤمنون برسوله حقًّا، فإذا طلبوا منك الإذن
لبعض أمر يهمهم فأذَنْ لمن شئت أن تأذن له منهم، واطلب لهم المغفرة لذنوبهم، إن
الله غفور لذنوب من تاب من عباده رحيم بهم.
63 - شَرِّفُوا -أيها المؤمنون- رسول الله، فإذا ناديتموه فلا تنادوه باسمه مثل:
يا محمد، أو باسم أبيه مثل: يا ابن عبد الله، كما يفعل بعضكم مع بعض، ولكن قولوا:
يا رسول الله، يا نبيّ الله، وإذا دعاكم لأمر عام فلا تجعلوا دعوته كدعوة بعضكم
بعضًا في الأمور التافهة عادة، بل سارعوا إلى الاستجابة لها، قد يعلم الله الذين
ينصرفون منكم خفية دون إذن، فليحذر الذين يخالفون أمر رسول الله - صلى الله عليه
وسلم - أن يصيبهم الله بمحنة وبلاء، أو يصيبهم بعذاب موجع لا صبر لهم عليه.
64 - ألا إن لله وحده ما في السماوات وما في الأرض خلقًا وملكًا وتدبيرًا، يعلم ما
أنتم -أيها الناس- عليه من الأحوال، لا يخفى عليه منها شيء، ويوم القيامة- حين
يرجعون إليه بالبعث بعد الموت- يخبرهم بما عملوا من أعمال في الدنيا، والله بكل
شيء عليم، لا يخفى عليه شيء في السماوات ولا في الأرض.
0 Response to "التفسير الميسر سورة النور"
إرسال تعليق